الوسطية الجامعة لمحمد عمارة

الوسطية الجامعة لمحمد عمارة

  • الوسطية الجامعة لمحمد عمارة
  • الوسطية الجامعة لمحمد عمارة

اخرى قبل 4 سنة

الوسطية الجامعة لمحمد عمارة

د.بكر ابو بكر

على ما يبدو أن الكثير من الأحداث العِظام تمر على الانسان وهو لاهٍ في شؤونه اليومية، فلا يحسّ بها.

ومن الأحداث العظام صدور كتاب مهم أو موت كاتب أو مفكر كبير، ولك أن تقدّر مفهوم العظمة كما تشاء، ولي أنا أن اعتبر العظمة مرتبطة بالفكرة التي يعبرعنها الكتاب أوالكاتب أو كلاهما.

من المعلوم أن نشأة الشخص تؤثر على تكوينه وشخصيته ماديا ومعنويًا، بمعنى أن الرموز المادية وتأثيرات المكان والأشخاص والأحداث تطبع في العقل الكثير مما يصبح مكونًا لذاته، وهنا قد أرد الكثير في هذا الأمر لوالدي رحمه الله الذي كان يمتلك مكتبة رائعة في منزلنا البسيط جدا، فأصبح الكتاب (والكُتّاب) ركنًا أساسيا في مكتبة عقلي ومكتبة بيتي لاحقا.

أستطيع أن اقول أنني صادقت عديد الكُتّاب العِظام في مرحلة النمو حتى الجامعة، وكان منهم كُتّاب اسلاميون وكتاب قوميون وكُتاب فتحويون وطنيون، وآخرون يساريون وكُتّاب من السنّة وآخرون من الشيعة فيهم العرب والترك والفرس والأجانب.

وفي مرحلة متقدمة من العمر وفي ظل وسائل التواصل الاجتماعي لم اكتفِ بمصادقة الكاتب على الورق بل فتحت خطًا حواريًا مفتوحًا على عدد من هؤلاء الكتاب الكبار، فتصادقنا واستفدنا الكثير.

من الذين صادقتهم على الورق في مرحلة البدايات ومن خلال كتبهم فقرأت لهم مستفيدا ومستزيدا ومسترشدا وناقدا كان د.محمد عمارة والذي كان بالنسبة لي بلسمًا في مرحلة الغلو الامبريالي والاستعلاء الشيوعي (في ثمانينات القرن العشرين) الذي كان فيه لأمثال محمد عمارة وعصمت سيف الدولة ومحمد باقر الصدر وخالد الحسن وزكي نجيب محمود وحسن الترابي خير معين لي شخصيا على الرد والتعقيب على الفكر الماركسي الطبقي، وعلى الانتهازية الامبريالية الامريكية والاستعمارية الممالئة للصهيونية.

د.محمد عمارة المفكر الشجاع والمجتهد المستنير وصاحب دعوات الوحدة والوسطية الجامعة للأمة العربية والاسلامية كان أحد أهم معالم الطريق بالنسبة لي ليس فقط بمضامين كتبه الثرية والمتنوعة التي فاقت 250كتابا (التي لم أقرأها كلها) وإنما بمنطق التفكير ومنهج البحثي العلمي وبما أصّل فيه من دور العقل المستنير المنحاز للحق وللنص القرآني المتعالي.

مع محمد عمارة فهمنا: تيارات الفكر الاسلامي من أول الكتب التي قرأتها له، وفهمنا الغلو الديني وذاك العلماني،وعرفنا الفكر العقلاني المنفتح، وعرفنا الأعلام العظماء امثال محمد عبده والافغاني، وميشيل عفلق (التيار القومي الاسلامي) والطهطاوي وقاسم أمين والكواكبي والسنهوري والغزالي، وفهمنا مدرسة العقل وشقيقتها مدرسة النقل والتموضع بينهما،وأخذنا من أسلوبه ومنهجه البحثي أدوات جديدة أضفناها لعدّتنا الثقافية بكل فخر ومحبة وتقبل وامتنان.

في أيام الانحدار القيمي وافتقاد المبادئ وتسطيح المفاهيم ترى كثير من عامة الناس تتحرّق شوقا للقاء أو التصوير مع أهل الشهرة من المغنين والممثّلين ولاعبي كرة القدم...الخ، او غيرهم في العالم الافتراضي،  وأنا على النقيض كنت على الرغبة الأكيدة للقاء أصحاب الثقافة والتاريخ والنضال والعقيدة والفكر والتراث لأن بمثل هؤلاء تنهض الأمم، وبهم يكون للقدوة معنى، وبهم تُصان الحضارة ولا تُهمل فلسطين حتى تعود لأهلها.

الفكر العظيم لا يموت، وإنما قد يتكاثر بحمله إثر موت صاحبه، لذا نقول في هذا الحدث العظيم رحم الله د.محمد عمارة المفكر العروبي والمفكر الاسلامي المستنير والمفكر العقلاني والداعية والمجتهد والكاتب الذي تعلّم الكثيرون من حروف كتاباته -بما أتفقنا معه فيه أوأختلفنا لاحقًا- وأشعّت كلماته في النفوس المشتاقة للمعرفة فكانت نورًا على نور.

 

التعليقات على خبر: الوسطية الجامعة لمحمد عمارة

حمل التطبيق الأن